هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

إلى الأمام..

همسة في أذن الوزير.. ومحبي دولة التلاوة!



واحد من أهم وأجمل الحوارات التي أجريتها واعتز بها في بداية حياتي الصحفية ..حوار مع أحد الأطفال من نوابغ ونجوم دولة التلاوة..طفل كفيف نحيف الجسم لا تفارقه ابتسامة تنير وجهه المزين بمسحة سمار اسواني محببة..لم يتجاوز السابعة من عمره في الصف الثاني الابتدائي الأزهري بأسوان..
حكايته حكاية يجب أن تحكى.. كان حافظا للقرآن الكريم وعشرات الالاف من الأحاديث النبوية والنصوص وبعض كتب المتون.. يتمتع بذاكرة تسجيلية مبهرة.. هو واحد من نتاج عمليات البحث عن المواهب في ربوع مصر كان ينتهجها الدكتور محمد على محجوب رحمه الله .. وكان واحدا من أنشط وزراء الأوقاف.. فقد جمع بين العلم الشرعي أستاذا للشريعة الإسلامية بحقوق عين شمس وفي أكاديمية الشرطة حتى وفاته في 18 يوليو 2024)وبين عضويته في الحزب الوطني الديموقراطي إذ كان النائب الأشهر الذي لا ينافس في دائرة حلوان..
 كان د. محجوب حريصا ودائم البحث لاكتشاف النوابغ من كل المحافظات خاصة في القرآن الكريم وما يمكن أن نسميهم معجزات في هذا العالم الساحر المدهش والمحبب وكان يقدمهم للرئيس في احتفال مصر بليلة القدر كل عام.. كان الطفل الأسواني أحد هؤلاء النجوم في واحدة من تلك الاحتفالات.
حدث بعد التكريم أن جاء الطفل وبصحبة خاله الى مقر الجمهورية القديم استضافهم زميلنا الاسواني الأستاذ محمد المختار رحمه الله وكان واحدا من أشهر المحررين البرلمانيين حينذاك.. أجريت معه حوارا مطولا وما يشبه الاختبار لقدراته وملكاته كان رائعا ومبهرا يتمتع بذاكرة تسجيلية فائقة يحفظ من أول مرة وكان جهاز الكاسيت وإذاعة القرآن الكريم وقراء مصر الكبار هم أبطال السباق والتنافس..
بعد نشر الحوار في الجمهورية وتحقيق استقصائي في جريدة المسلمون الدولية بعنوان: الطفل الفقيه..تحرك الازهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي التي تدخلت بقوة وعرضت استضافة وتبني الطفل وأسرته في السعودية وأن تتكفل بتعليمه حتى نهاية المرحلة الجامعية.. وقدمت دعوة للطفل وأسرته للعمرة ولاجراء الاختبارات اللازمة من كبار المتخصصين من علماء الدين والتربية للتأكد من ملكات وقدرات الطفل الحقيقية ..وانتهى تقرير اللجنة السعودية الى أن العمر العقلي للطفل يفوق طلبة الجامعة.
تدخل فضيلة الامام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر بقوة ورفض أن تستضيفه أي جهة خارجية وأن الأزهر سيتكفل بتعليمه مجانا حتى ينتهي من الجامعة وسيوفر له كل ما يحتاجه علميا واجتماعيا..
علم العاهل السعودي الملك فهد رحمه الله بالحكاية فقرر تخصيص وقفية قيمتها 480 الف ريال سعودي من ماله الخاص للانفاق على تعليم الطفل المعجزة وتوفير حياة كريمة له واهداه مجموعات متكاملة من الكتب الإسلامية والمكتبات السمعية وغيرها تيسيرا له في طلب العلم..
في تلك الأثناء توصلت لجنة علمية بالأزهر لدراسة حالة الطفل برئاسة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار رحمه الله الى أن العمر العقلي للطفل يعادل طلبة الجامعة ولكن نظرا لبعض أمور تتعلق ببناء شخصية الطفل وحرصا على تطورها دون صدمات وحتى يعيش مراحل الطفولة والشباب قررت اللجنة الحاقه بالصف الثالث الاعدادي..وحدث بالفعل.. والتحق بالجامعة بكلية أصول الدين وحقق تفوقا ملحوظا وعين معيدا بها ويعمل الان أستاذا بالجامعة..
أسرد هذه القصة هامسا في أذن فضيلة الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف وهو يدعم بكل قوة المواهب القرآنية ويشارك بفاعلية مشجعا ومحفزا في مراحل التسابق بضرورة اتخاذ خطوات عملية تجاه مستقبل هؤلاء النوابغ وتأمين حياة علمية مناسبة للمستحقين تتماشى وتتوافق وقدراتهم العقلية والذهنية للدفع بهم الى الأمام وحتى لا نتركهم للضياع في مراحل لا تقدم لهم أي فائدة أو جديد ان لم تأكل من رصيدهم الحي أو تحبطهم أو تجذبهم الى الخلف بعد دفعات معنوية أو مادية قوية فالاستمرار وسياسة النفس الطويل هي المطلوبة والمرغوبة.
لماذا لانفكر في أكاديمية خاصة بالنوابغ وأصحاب المهارات الخاصة تتبناهم ترعاهم وتتولى شئونهم العامة والخاصة تضعهم دائما تحت مظلة خاصة من الامن والأمان العلمي والاجتماعي وتوفر لهم كل ما يضمن لهم الاستمرار في التفوق..
اعتقد أن فلسفة وأهداف الوقف تتضمن هذا الاتجاه وتدعمه واذا لم يكن هناك وقف صريح لذلك فلننشئ وقفا خاصا وبدلا من اهدار أموال وملايين من متبرعين في الدعاية والرعاية الاعلانية لبرامج وقتية فقط فيجب السعي نحو عمل مؤسسي نستفيد فيه بتلك الروح الداعمة والمحبة لأهل القرآن والدفع بهم الى الأمام والتشجيع على خلق أجيال جديدة أكثر ابداعا وتألقا..
في ظني أن الأكاديمية الخاصة بالنوابغ لن تتوقف عند حدود ما تقوم به إدارة القرآن في الأوقاف وتوابعها بمختلف المديريات بل يجب أن تتعانق مع الجهود الرائعة والحثيثة التي يقوم بها الأزهر سواء في الجامع الأزهر وأروقته القرآنية والعلمية التي تتمدد بقوة في انحاء البلاد وحققت نجاحا كبيرا وأظهرت نجوما مزهرة في سماء التلاوة وبأعداد كبيرة ولعل ما جرى ويجري في ساحة الأزهر من عناية ورعاية بأهل القرآن والنماذج المبهرة التي قدمها على صعيد القراءات العشر والتي أذهلت العالم الإسلامي ولاقت ترحيبا واعجابا منقطع النظير خاصة من جيل الشباب وهي تتم برعاية مباشرة من فضيلة الأمام الأكبر الدكتور احمد الطيب حفظه الله ووكيله د.محمد الضويني ود.عبدالمنعم فؤاد المشرف العلمي على الاروقة ود.هاني عودة مدير الجامع الازهر.. أيضا ما تقوم به إدارة المعاهد ومراكز التحفيظ التابعة لها.ولا يمكن أن نغفل المراكز الأهلية والخاصة ذات السمعة العالمية في تحفيظ القرآن وتجويده وترتيله ولا يتوقف نشاطها على المصريين فقط بل أبناء العالم الإسلامي وهؤلاء يستعينون بكبار المحفظين الثقات المتقنين سواء من الأساتذة او أعضاء هيئة التدريس أو هيئة مراجعة المصحف الشريف وغيرهم.. كل هؤلاء روافد عظيمة وكشافات حقيقية للنوابغ ولاعجب ان تكون تلك المراكز هي الحواضن الجادة للفائزين والأوائل في المسابقات الدولية للقرآن الكريم المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها ويتصدر أبناء مصر كبارا وصغارا ميادين السباق والتنافس الشريف.. ولا تكاد تعدم مسابقة في كل عام نجما أو عدة نجوم من أبناء مصر الكنانة..
والله المستعان..

[email protected]